الإجهاض الطبي في الإسلام: منظور شرعي وأخلاقي

الإجهاض الطبي هو موضوع حساس يثير نقاشات واسعة في السياقات الدينية والأخلاقية، بما في ذلك الإسلام. في المغرب، حيث تتداخل القيم الدينية مع التحديات الطبية الحديثة، مثل الأمراض الوراثية (مثل الترنح التوسعي الشعيري أو نقص المناعة الأولية)، أصبحت الحاجة إلى فهم الحكم الشرعي لهذا الموضوع أكثر أهمية. هذا المقال يستعرض الرؤية الإسلامية للإجهاض الطبي بناءً على النصوص الشرعية والفتاوى المعاصرة، مع التركيز على التوازن بين حفظ الحياة والحفاظ على الصحة، حتى سبتمبر 2025.

الأساس الشرعي للإجهاض

في الإسلام، يُعتبر الجنين حياة محترمة منذ بدء خلقه، لكن التشريع يميز بين مراحل تطوره. وفقاً للقرآن الكريم والحديث النبوي، يمر الجنين بمراحل:

  • النفخة: ورد في الحديث الشريف عن عبد الله بن مسعود أن الروح تُنفخ في الجنين بعد 120 يوماً من الحمل (صحيح البخاري، كتاب الأنبياء). قبل هذه المدة، يُعتبر الجنين في مرحلة تكوين.
  • الحق في الحياة: بعد نفخ الروح، يُحرم إنهاء حياة الجنين إلا في حالات استثنائية.

بناءً على ذلك، يتفق الفقهاء على أن الإجهاض محرم بعد 120 يوماً إلا إذا كان هناك خطر واضح على حياة الأم، حيث يُفضل حفظ حياة الأم (حكم الضرورة في الشريعة).

الحالات الطبية المسموح فيها

في السياق الطبي، سمحت فتاوى معاصرة بإجراء الإجهاض في حالات محددة قبل 120 يوماً، بشرط وجود ضرورة طبية مؤكدة:

  • خطر على حياة الأم: إذا كان استمرار الحمل يهدد حياة الأم (مثل مضاعفات قلبية أو نزيف حاد)، يُجوز الإجهاض لأن حفظ حياة إنسان واحد (الأم) مقدم على الجنين.
  • تشوهات جنينية خطيرة: إذا أثبتت الفحوصات الطبية (مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية أو التحليل الجيني) وجود تشوهات لا تُمكن الجنين من الحياة خارج الرحم (مثل انعدام الدماغ)، أو أمراض وراثية قاتلة (مثل الترنح التوسعي الشعيري إذا أدى إلى الوفاة المبكرة)، يُسمح بالإجهاض قبل نفخ الروح.
  • الإجماع الفقهي: في مؤتمر الفقه الإسلامي المنعقد في الجزائر (1986) ومجمع الفقه الإسلامي (1988)، أجاز الفقهاء الإجهاض في الحالات الطبية الضرورية قبل 120 يوماً، مع الرجوع إلى لجنة شرعية وطبية للتأكد.

السياق القانوني في المغرب

في المغرب، ينظم قانون 2003-24 الإجهاض الطبي في الظروف الضرورية. يُسمح به إذا كان هناك خطر على صحة الأم أو الجنين، مع شرط أن يتم الإجهاض قبل 120 يوماً من الحمل، ويُشرف عليه لجنة طبية. هذا القانون يتماشى مع الفتاوى الإسلامية التي تؤكد أولوية الحفاظ على الحياة، ويأخذ بعين الاعتبار التحديات الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب (19.9% من الزيجات).

النقاش الأخلاقي والاجتماعي

  • الجوانب الأخلاقية: يرى البعض أن إنهاء حياة الجنين، حتى في الحالات الضرورية، يثير تساؤلات حول بديل الرعاية الدائمة. لكن الإجماع يميل إلى أن الضرورة تجيز الممنوع.
  • التوعية: تنادي جمعيات مثل هاجر (في نشرتها رقم 102، 2025) بزيادة الوعي حول التشخيص الجيني قبل الحمل لتجنب الحاجة إلى الإجهاض، مع تقديم استشارات شرعية للعائلات.
  • دور الفتاوى: فتوى دار الإفتاء المصرية (2017) أكدت أن الإجهاض مسموح إذا كان الجنين سيولد بتشوهات قاتلة، مع التركيز على استشارة مختصين.

التحديات

في المغرب، تواجه العائلات تحديات مثل نقص المراكز الطبية المجهزة للتشخيص الجيني، وتكاليف الفحوصات (قد تصل إلى آلاف الدراهم)، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإجهاض. كما أن بعض العائلات قد تتردد في اتخاذ القرار بسبب الجهل بالحكم الشرعي.

الخاتمة

الإجهاض الطبي في الإسلام مسموح فقط في حالات الضرورة الطبية المؤكدة، وخاصة قبل 120 يوماً من الحمل، مع الرجوع إلى خبراء شرعيين وطبيين. في سياق المغرب، يدعم القانون والفتاوى هذا الخيار للحفاظ على حياة الأم أو تجنب معاناة الجنين من أمراض وراثية قاتلة. جمعية هاجر، من خلال نشاطاتها التوعوية، تلعب دوراً في توجيه العائلات نحو القرارات السليمة. يُنصح بالتشاور مع أطباء ومؤسسات دينية لاتخاذ قرار مستنير، مع التركيز على الوقاية عبر الفحوصات الجينية المسبقة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *