الترنح التوسعي الشعيري، المعروف أيضاً بـ Ataxia Telangiectasia (A-T)، هو مرض وراثي نادر يصنف ضمن فئة نقص المناعة الأولية (Primary Immunodeficiency Disorders – PID). يؤثر هذا المرض على عدة أنظمة في الجسم، بما في ذلك الجهاز العصبي، الجهاز المناعي، والأوعية الدموية، مما يسبب مجموعة معقدة من الأعراض التي تتطلب رعاية متخصصة. في المغرب، حيث يرتفع معدل زواج الأقارب، يصبح التشخيص المبكر لهذا المرض أمراً حيوياً لتقليل معاناة الأطفال المصابين. هذا المقال يستعرض أسباب المرض، أعراضه، طرق التشخيص، الخيارات العلاجية، ودور الجمعيات مثل هاجر في دعم المرضى، بناءً على المعرفة الطبية حتى سبتمبر 2025.
الأسباب
يحدث الترنح التوسعي الشعيري نتيجة طفرة في جين ATM (Ataxia Telangiectasia Mutated)، المسؤول عن إصلاح أضرار الحمض النووي في الخلايا. هذا الجين يلعب دوراً رئيسياً في استجابة الخلايا للإجهاد التأكسدي والإشعاع. الطفرة، التي تُورث عادةً بطريقة جسمية متنحية (أي أن كلا الوالدين يحملان الجين المتحور)، تعطل عملية إصلاح الحمض النووي، مما يؤدي إلى تراكم الأضرار الخلوية. هذا يؤثر على الدماغ، الجهاز المناعي، ويزيد من حساسية الجسم للإشعاع. في المغرب، يزيد انتشار الزواج بين الأقارب (19.9% وفق الإحصاءات) من احتمالية انتقال هذه الطفرات.
الأعراض
تبدأ أعراض A-T عادةً في الطفولة المبكرة (بين سن 1 و4 سنوات) وتتطور مع الوقت. تشمل العلامات الرئيسية:
- مشاكل في التوازن والحركة: ترنح في المشي (Ataxia) يتفاقم تدريجياً، مما يؤدي إلى صعوبة في الحركة أو الاعتماد على كرسي متحرك بحلول المراهقة.
- توسع الشعيرات الدموية: ظهور أوعية دموية ملتوية (Telangiectasia) في العينين، الوجه، أو الأذنين، وهي علامة مميزة للمرض.
- نقص المناعة: زيادة مخاطر الإصابة بالعدوى التنفسية (مثل الالتهاب الرئوي) أو الجيوب الأنفية بسبب ضعف إنتاج الأجسام المضادة.
- مشاكل الغدد اللعابية: تأخر النمو، ضعف العضلات، وأحياناً صعوبة في الكلام أو البلع.
- مضاعفات خطيرة: ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الدم أو الأورام اللمفاوية (بمعدل 10-38% عبر العمر)، واضطرابات التمثيل الغذائي مثل مقاومة الإنسولين.
مع تقدم المرض، قد يؤدي ضعف الجهاز العصبي إلى فقدان القدرة على المشي أو التحكم في الحركات الدقيقة.
التشخيص
يتم تشخيص A-T من خلال:
- التاريخ الطبي: ملاحظة أعراض الترنح والتوسع الشعيري منذ الطفولة.
- تحاليل الدم: قياس مستويات ألفا فيتوبروتين (AFP)، التي تكون مرتفعة بشكل غير طبيعي في معظم الحالات (علامة تشخيصية قوية).
- الفحوصات الجينية: تحديد طفرات جين ATM عبر تحليل الحمض النووي.
- التصوير: الرنين المغناطيسي (MRI) للدماغ قد يكشف عن تدهور المخيخ.
في المغرب، يُشدد على أهمية التشخيص قبل الولادة عبر الفحص الجيني للأجنة في العائلات المعرضة، خاصة بعد ولادة طفل مصاب. وفقاً لنشرة جمعية هاجر (رقم 102، 2025)، أصبح التشخيص المبكر في المستشفيات الكبرى مثل ابن رشد متاحاً أكثر، لكنه لا يزال محدوداً في المناطق الريفية.
خيارات العلاج
لا يوجد علاج شافٍ لـ A-T، لكن العلاجات الداعمة تحسن من جودة الحياة:
- الوقاية من العدوى: استخدام مضادات حيوية وقائية وتطعيمات (مع تجنب الإشعاع بسبب الحساسية).
- استبدال المناعة: حقن الغلوبولين المناعي لتعويض نقص الأجسام المضادة.
- العلاج الطبيعي: تمارين لتحسين التوازن والقوة العضلية.
- الرعاية الداعمة: دعم غذائي للتغلب على صعوبة البلع، ومتابعة طبية للكشف المبكر عن السرطان.
في السنوات الأخيرة (حتى 2025)، أظهرت التجارب السريرية تقدماً في العلاج الجيني لتصحيح طفرات ATM، لكن هذه العلاجات لم تكن متاحة تجارياً بعد، خاصة في الدول النامية.
التحديات في المغرب
تواجه العائلات في المغرب تحديات كبيرة، بما في ذلك تكلفة العلاج (مثل حقن الإيمونوغلوبين التي تكلف آلاف الدراهم شهرياً)، والوصول المحدود إلى التشخيص الجيني، والوعي العام الضعيف. وفقاً لنشرة هاجر، يساهم التشخيص المتأخر في تفاقم الحالة، حيث يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في الثلاثينيات إذا لم يُدعم المريض بشكل صحيح.
دور جمعية هاجر
تعتبر جمعية هاجر في المغرب رائدة في دعم مرضى A-T. في نشرتها الأخيرة (رقم 102، 2025)، ركزت على ملف خاص بالمرض، مع توضيح أعراضه، طرق تشخيصه قبل الولادة، والنقاش حول الإجهاض الطبي في السياق الإسلامي (بناءً على فتاوى تسمح به إذا كان هناك خطر على الأم أو الجنين). تقدم الجمعية مساعدات طبية (مثل تغطية تكاليف الدواء)، أنشطة ترفيهية، وتوعية مجتمعية عبر حملات ومؤتمرات مثل ARAPID. يمكن التواصل معها عبر www.hajar-maroc.org للمساهمة أو طلب الدعم.
الخاتمة
الترنح التوسعي الشعيري مرض معقد يتطلب وعياً وتدخلاً مبكراً. على الرغم من عدم وجود علاج نهائي، يمكن إطالة عمر المرضى وتحسين حياتهم عبر الرعاية الداعمة والتشخيص الجيني. في المغرب، تظل الجهود المجتمعية، مثل تلك التي تقدمها جمعية هاجر، حاسمة لمواجهة التحديات. إذا كنت تشك في أعراض A-T عند طفل، استشر طبيباً فوراً لإجراء الفحوصات اللازمة.